الأربعاء، 12 مارس 2008

على عَجَلْ


تحيّة خالِصَة لِـ صديقي " الهارب " ، و بَعْد :
لم تَعُد الكَلِماتُ تُجدِي نفعًا يا صديقِي ؛ فالأفعالُ أحرى بالتَقدِيمْ . .
يا صديقِي القَدِيمْ ، حَفِظتُكَ عن ظَهرِ قَلبٍ و لم تَعِ تمامًا بَعْد أنّ الصَداقَة أوّلُ المداخِلَ لِـ قولِ شيءٍ ما و آخِرُها لـِ تَجَنُّبِ شيئٍ آخرْ ـ و أن تتهَرَّبَ من كلِمةٍ تُثقِلُ كاهِلَكَ عنِّي أمرٌ لم أُحَبِّذهُ مِنكَ البتَة ، على عِلمِكَ بِرَأييِ الـ " مُتَفَلسِف " _ على حسبِ نظرَتِكَ _ فِي ذلكَ ألفَ ألفَ مرّةٍ و لَيسَ مَرّة .
ليسَ أنّ الأمر ينُمُّ عن الصراحة التي أُحِبُّ التَعلُّقَ بِها لو على حِسَابِ مشاعِرِي .. و لا ينُمُّ عن جُرأةٍ لا تتمَتّعَ أنتَ بِها لِقَولِ الحقِيقة صريحَةً مُجرّدَةً عفويّةً دُونَ تنسِيقٍ للكَلِماتِ أو التفكِيرِ بِرُدُودِ الأفعالِ التي قد تَصِلُ لقَطِيعةً سريعَةَ القرارِ طويلَة الأمـَد ، و ليسَ الأمرُ أنّكَ ستبتَكِرُ لوحةً فنيَةً مُبتَدَعَةً تُبهِرُ سذاجَتِي التي اعتَدتَنِي بِها ، و ليسَ الأمر أنّكَ ستبدُو أحمَقًا أو وغدًا يَرجُمنِي ببَالُوناتٍ مملُوءَةٌ بالطِلاءِ رُغمًا عَنّي . ليسَ الأمرُ كما تظُنّ يا صدِيقِي .. التَخمِينُ من أسوَءِ الأمور التي يُعامِلنِي بها أي شخصٍ لا يَعرِفُنِي ، و أدهَى و أمرَّ لو كانَ يَعرِفُنِي !!
ماذا لو أنِّي يا صديقِي الأوحَدُ غيّرتُ وُجهَتِي هذهِ المَرّة و ردّة فِعلِي التِي تتخَيَّلهَا " شَنعاءْ " ، ماذا لو أنّي انتظرتُ مُطولاً هذهِ المَرّة في الجانِبِ البَعِيد ، حيثُ لا ترانِي أبدًا أعبسُ أو أرفَعُ حاجِبِي تعَجُّبًا أو تغرورَق عينايَ بالدُمُوعِ أو أُتمتِمُ بضعَ كلماتٍ غيرَ مفهومَةٍ و أُغادِرُ على عجَلٍ ، أو أُومِىءَ بِرَأسِي المُثقَلَ بابتِسامَةٍ كاذِبَةٍ دونَ أن أنبسَ ببنتِ شفة ..! ماذا لو .. !
كيفَ يَستَشعِرُ المَرءُ الفَرقَ حِينَ يكُن في الصُّورَة و ينظُرَ إليهِ الآخَرُون ، و حِينَ ينظُرَ هو للصورةِ كالآخَرِينْ ؟ كيفَ أُفَسِّرُ الأمرَ يا صدِيقِي ..
بعضُ الوَقتِ قد يبدُو جيِّدًا لمعرِفةٍ جديدةٍ لا خلفِيَّةَ لها ، لكن في معرِفتِنا التي وُلِدتُ فِيها و نمَيتُ و رَاهَقتُ و جُنِنتُ و هدَأتُ و نَضجتُ و كبرتُ و عقَلتُ يبدُو الأمرُ مُختَلِفًا . . أشعُرُ أنِّي أشِيخُ بتُرّهاتٍ لا نستَطِيعُ الفكَاكَ مِنهَا رُغمَ أنـّا بوَجهٍ و آخر وضَعنا الأمورَ في نِصَابِهَا .
لماذا يا صدِيقِي تُعَرِّجْ على الماضِي البَرِيءِ ، أعلمُ أنهُ نـَامٍ حتى اللحظة لكنّا خلقنا فِرعًا آخرَ و غُصنًا آخَرَ يختَلِفُ كثيرًا عمّا أنبتتهُ معرِفتَنا سابِقًا .. لماذا لا تختَصِرَ الكَثيرَ مما تُفكِّر فِيهِ و لا أعلَمَهُ ، قلبِي شاخَ و شعرِي شابَ و التجاعِيدُ تسَلَّقت جبِينِي و أَحَاطتْ فمِي قبلَ عُنُقِي و ما زلتُ في الثالِثةِ و العِشرِين ، في ربِيعِ عُمرِي أهرمْ , لماذا يا صدِيقِي لا تنضُج أنتَ أيضًا ياذا العُقودُ التي تكثُرنِي ..
العِنبُ لا ينمو في حقلِي و لا الرُّمان ، التُّفاحُ يذبَلُ و الأرضٌ تَصْفـَرّ ، و أنا سَئِمتُ مِنِّي و من الليالِي الباردَة التي أضطرُ فيها بالتفكِيرِ آلافَ المَرّاتِ في مَعرِفتِنا التي يعِزُّ علييّ جعلهَا جهلاً يمتَطِينِي ..
ياصدِيقِي الأبيَضْ ، إن زادَ بيَاضُكَ استَحَالَ كفَنًا . .
رِفقًا باللَيالِي المُظلِمَة ، جعَلتَ كُلّ السَوادَ بجانبِي جُورًا و أنا الشمسُ المُشرِقة .. لو جمَعتَ كلّ بذرةٍ سوداءَ رمَيتَ بِهَا إلَيَّ ستَجِدنِي نموتُ حتى أقاصِي السَماءَ نبتةً وَحشِيّةً سيِّئَة ، لكن لِحُسنِ حظِّك أنّي أتخَلّصُ من هدَاياكَ " الثمِينة " فورَ وُصُولها قلبِي , و أزرَعُ مكانها خيطًا ناصعًا من خيُوطِ الشَّمسِ يحرِقُ مكانَ بذرَتِك و يلحقها كيًا بشيءٍ أبيَضْ يَحرِقُنِي أولاً ثمَّ أجِدنِي سعِيدَةً أنّ هذهِ الكيّات و الحروق و التشوهات داخلِية ، لكني قلقة أنها مع الوَقت ستُؤثرُ على عدَدِ الضّرباتِ و كميّة الدمّ الذي يُضَخُّ مِنهُ لِـ بَدَنِي فـَ إليهِ _ قلبِي _ على شَرَفِكْ. . !
يا صدِيقِي العزِيز رُغمَ كل الكَلمات التي لم تحوِ رُبعَ ما وَدَدتُ قولُه ، فخُورةٌ بصَداقَتِكَ و سَعِيدَة أنّ قلبَكَ ناصِعَ البَيَاضْ ، و متأكِّدَة تمامًا أنَّ مواقفَ كهذهِ دُرُوسٌ لأيامٍ أصعَبْ سيُكافِئُنا اللهُ عزّ وجل حِينَها بشيءٍ أجمَلَ إن تجَلّدتُ و تبَلّدتُ و صبَرتُ و لم أنطِق إلا لهْ .
واللهُ خيرُ مُعِينْ .

صديقَتُكَ المٌخلِصَة ..